سورة المجادلة - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المجادلة)


        


{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)}
{قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} نزلت الآية في خولة بنت حكيم، وقيل خولة بنت ثعلبة، وقيل خولة بنت خويلد، وقيل: اسمها جميلة وكانت امرأة أوس بن الصامت الأنصاري أخي عبادة بن الصامت. فاظهر منها، وكان الظهار في الجاهلية يوجب تحريماً مؤبداً، «فلما فعل أوس ذلك جاءت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أوساً أكل شبابي ونثرت له بطني، فلما كبرت ومات أهلي ظاهر مني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيتك إلى قد حرمت عليه، فقالت: يا رسول الله لا تفعل إني وحيدة، ليس لي أهل سواه، فراجعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل مقالته فراجعته» فهذا هو جدالها {وتشتكي إِلَى الله} كانت تقول اللهمه: إني أشكو إليك حالي وانفرادي وفقري. وروي أنها كانت تقول: اللهم إن لي منه صبية صغاراً إن ضممتهم إليّ جاعوا، وإن ضممتهم إليه ضاعوا {والله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ} المحاروة هي المراجعة في الكلام قالت عائشة رضي الله عنها: سبحان من وسع سمعه الأصوات، لقد كنت حاضرة وكان بعض كلام خولة يخفى علي وسمع الله كلامها، «ونزل القرآن في ذلك فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زوجها وقال له: أتعتق رقبة؟، فقال: والله ما أملكها. فقال: أتصوم شهرين متتابعين؟، فقال: والله، ما أقدر، فقال له: أتطعم ستين مسكيناً؟ فقال: لا أجد إلا أن يعينني رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعونة وصلاة، يريد الدعاء فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعاً وقيل: بثلاثين صاعاً ودعا له، فكفّر بالإطعام وأمسك زوجته».


{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)}
{الذين يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ} قرئ يظاهرون بألف بعد الظاء وبحذفها وبالتشديد والتخفيف والمعنى واحد وهو إيقاع الظهار، والظهار المجموع عليه هو أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، ويجري مجرى ذلك عند مالك تشبيه الزوجة بكل امراة محرّمة على التأبيد، كالبنت والأخت وسائر المحرمات بالنسب، والمحرمات بالرضاع والمصاهرة، سواء ذكر لفظ الظهر أو لم يذكره كقوله: أنت علي كأمي أو كبطن أمي أويدها أو رجلها خلافاً للشافعي فإن ذلك كله عنده ليس بظهار. لأنه وقف عند لفظ الآية وقاس مالك عليها لأنه رأى أن المقصد تشبيه حلال بحرام {مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} رد الله بهذا على من كان يوقع الظهار ويعتقده حقيقة، وأخبر تعالى: أن تصير الزوجة إمّا باطل، فإن الأم في الحقيقة إنما هي الوالدة {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ القول وَزُوراً} أخبر تعالى أن الظهار منكر وزور، فالمنكر هو الذي لا تعرف له حقيقة، والزور هو الكذب. وإنما جعله كذباً لأن المظاهر يصيِّر امرأته كأمه. وهي لا تصير كذلك أبداً. والظهار محرم ويدل على تحريمه أربعة أشياء؛ أحدها قوله تعالى: ما هن أمهاتهم فإن ذلك تكذيب للمظاهر. والثاني أنه سماه منكراً. والثالث أنه سماه زوراً. الرابع قوله: وإن الله لعفو غفور، فإن العفو والمغفرة لا تقع إلا على ذنب وهو مع ذلك لازم للمظاهر حتى يرفعه بالكفارة.


{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)}
{والذين يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} جعل الله الكفاكرة في الظهار على ثلاثة أنواع مرتبة لا ينتقل إلى الثاني حتى يعجز عن الأول ولا ينتقل إلى الثالث حتى يعجز عن الثاني؛ فالأول: تحرير رقبة. الثاني صيام شهرين متتابعين. والثالث إطعام ستين مسكيناً والطعام يكون من غالب قوت البلد {مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا} مذهب مالك والجمهور أن المسيس هنا يراد به الوطء وما دونه من اللمس والتقبيل وفلا يجوز للمظاهر أن يفعل شيئاً من ذلك حتى يكفر، {ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ} قال ابن عطية: الإشارة إلى الرخصة في النقل من التحرير إلى الصوم وقال الزمخشري: المعنى: ذلك البيان والتعليم لتؤمنوا، وهذا أظهر لأنه أعم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5